روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | هل يعالج الفكر المنحرف بالمنع؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > هل يعالج الفكر المنحرف بالمنع؟


  هل يعالج الفكر المنحرف بالمنع؟
     عدد مرات المشاهدة: 3125        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.. أما بعد:

فإن من الشبهات التي أثير نقعها، وآلم وقعها، شبهة ليبرالية تردد صداها في عالم التواصل الإلكتروني والصحف الورقية والقنوات الفضائية، جاءت شبهتهم بصيغ مختلفة، فتارة يقولون: الفكر لا يعالج إلا بالفكر، وتارة يقال: لماذا نخاف من الأفكار الأخرى؟ أليس الفكر الإسلامي أقوى من غيره؟ فلماذا يخاف الفكر القوي من الأفكار الضعيفة؟ وتارة يقال: لماذا تمارسون وصاية على المجتمع؟

وتارة يقال: (مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة إلى الانتقال من سياسة المنع إلى ثقافة المناعة) اهـ كما يقوله الدكتور سلمان العودة، أو بعبارة أخرى: (ليس من مهمة الدولة أو أي جهة سياسية التدخل في شؤون اعتقاد الناس وفرض تصورات أو اجتهادات دينية معينة عليهم، بل في إطار نظام القيم العامة للمجتمع مهمتها تدبير الشأن العام) كما في كتابه أسئلة الثورة (41) وقال الكاتب محمد آل الشيخ: (أما المنع فهي سياسة الفاشلين الضعفاء ذوي الثقافة التي ترتعد مفاصلها خوفا عند المواجهة). اهـ.

وقال د. مجدي سعيد: (تعلمنا متابعة حياة الإنسان البيولوجية أن الإنسان إذا ما حبس في بيئة شديدة التعقيم فإنه قد يهلك إذا ما حدث وأطلق سراحه وتعرض لأقل قدر من الميكروبات العادية، أما إذا تدرب جهازه المناعي على التعامل مع البيئة المحيطة بشكل طبيعي، بما تحويه من ملوثات وميكروبات، وتفاعل معها بما وهبه الله في جهازه المناعي من إمكانات الدفاع فإنه يصبح شيئا فشيئا قادرا على مواجهة الأخطار، حتى إذا حدث وأصيب بمرض مؤقت، فإن كل تجربة مرض من تلك التجارب تزيد جهاز مناعته خبرة وحصانة. ولكن هل يمكننا أن نزرع في الإنسان- تمثلا لطبيعته البيولوجية- مناعة فكرية، بدلا من محاولة وضعه في بيئة فكرية وثقافية معقمة؟) ثم قال: (فلم تعد سياسة غلق الأبواب تجدي،) وآخرون يقولون: أنتم ضد حرية الرأي وعاجزون عن الحوار مع المخالف، وعاجزون عن مجابهة الفكر والمنطق المقنع؛ لأنكم في واقع الحال تفتقرون لأيٍ منهما!! ولهذا تفزعون إلى إقصاء الكتب والمؤلفات والندوات والملتقيات التي تتنافى مع الإسلام، فمتى كان الإسلام الممتد في عرض التاريخ بقيمه وتراثه وآدابه يتأثر من كتيب يحوي بضع صفحات أو مقالة قصيرة أو تغريدة لا تتجوز سطرين. هذه خلاصة شبهتهم..

حسنا.. دعنا نحرر محل النزاع، ونعرض هذا الكلام على مجهر النقد، ثم ننظر هل هذه المقولة تقوى على الوقوف أمام الحجج النقلية والعقلية؟

تحرير محل النزاع:

جنس الأفكار البشرية المطروحة نوعان:

النوع الأول: أفكار لا تتعارض مع الإسلام.. فهذا النوع مما لا تمنعه الشريعة الإسلامية؛ ولهذا يجوز أخذ وجهات النظر فيها، ووضعها على مائدة النقاش، ومداولتها بين العقول للخلوص بأصوب الأفكار وأحسنها، وبتركه تتعطل كثير من مصالح الأمة وحاجاتها.. وكتب المصنفات والتراجم والتواريخ شاهدة بأخذ الصحابة رضي الله عنهم بكل فكرة صالحة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا ما رجحه كثير من المحققين كابن عقيل وابن القيم وغيرهما كما في الطرق الحكمية (12) ومن باب أولى الأفكار التي جاءت الكليات الشرعية بإقرارها والتي تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وغاياتها.

النوع الثاني: أفكار تتعارض مع الإسلام مثل كتب ومقالات الإلحاديين والليبراليين وسائر المذاهب الهدامة التي لا فائدة فيها أو ضررها أكثر من نفعها، فهذه وأمثالها هي ما حصل التشغيب عليها من طوائف التنويريين والليبراليين وكثرت تساؤلاتهم عن ردها، وسبب منعها وغير ذلك مما سبق أن ذكرنا طرفا منها، ولبيان بطلان هذه الأقاويل وتفنيدها وكشف زيوفها، يتبين ذلك في الحجج النقلية والعقلية الآتية:

الحجة الأولى: إن من ينادي بثقافة المناعة لا بثقافة المنع كما يقال إنما يعيش أحلاما وردية، وأفكارا نرجسية، لا صلة لها بالواقع!!.. وبالله عليكم ماذا نسمي انتشار الشرط في عواصم الشرق والغرب؟ وكيف نفسر وجود أبنية السجون والمعتقلات ونحو ذلك؟؟!.. هل هذه من قبيل سياسة المنع أم من قبيل سياسة المناعة؟؟ نحن لا ننكر أهمية الإقناع وفائدة المناعة وأنه أحد الأدوية الوقائية الناجعة، لكن إهمال الدواء الثاني وهو الدواء بالمنع شطط في التفكير، وسوء في التقدير، كما أن هناك دواء ثالث علاجي بعد التأثر بالشبهة يعالج بالإقناع تارة، وبالعقاب تارة، وبالجمع بينهما تارة ثالثة حسب المصلحة؛ لأن من يعالج شبه الناس على اختلاف شبهاتهم وثقافاتهم بطريقة واحدة كمن يعالج المرضى على اختلاف أدوائهم وطبائعهم بدواء واحد!! ،

ووضع الندى في موضع السيف للعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى!!

لكن كثيرا من هؤلاء يفصلون بين الفكر والسلوك!!

وهذه مكابرة باردة؛ لأن الفكر للسلوك كالقلب للجسد، فلا يمكن القيام بعمل من غير اعتقاد فاعله إلا للناسي أو المجنون وهما غير مكلفين.. ؛ وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، كما أن صلاح شيء من الجسد صلاح للقلب فاستغفار اللسان مثلا- وهو ظاهر- يزيل الغين عن القلوب، كما أن خوف القلب من الله مثلا يمنع الذنوب، وقد جاءت الشريعة بإصلاح هذا وهذا؛ إذ لا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا صوابا.

الحجة الثانية: إنه معلوم لدى خواص الناس وكثير من عوامهم أن الفكرة الباطلة الساذجة قد تتسلل إلى النفوس وتتشربها القلوب لقوة بيان أصحابها، وسيطرتهم على الرأي العام، ومن ذلك قوله تعالى عن المنافقين: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، مع أن قولهم هذا إما باطل ملبوس بحق أو باطل محض، فسماع قولهم والاقتناع به ليس لقوة الفكرة نفسها وإنما لقوة بيان ناشريها، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» أي: أنه يقلب الحقائق كما يقلبها السحر سواء، وتكون (من) للتبعيض، فهذا يدل على أن الفكرة الباطلة قد تظهر بصورة الحق عند من يغتر ببريق الألفاظ لا بحقائقها.

الحجة الثالثة: إنه من المقطوع به أن الناس يتفاوتون في القدرة على إظهار الحجة وحسن عرضها كما يتفاوتون في دقة فهومهم، وسعة علومهم، وتوظيفها في كلامهم، مما ينعكس حتما على إظهار الحق وبيانه أو تمويهه وإبطاله فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا» ، وفي مصنف ابن أبي شيبة (4/ 542) قال: كَانَ شُرَيْحٌ مِمَّا يَقُولُ لِلْخَصِمِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَقْضِي لَكَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ ظَالِمًا، وَلَكِنِّي لَسْتُ أَقْضِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ أَقْضِي بِمَا أُحْضِرَنِي، وَإِنَّ قَضَائِي لَا يُحِلُّ لَكَ مَا حُرِّمَ عَلَيْكَ»

وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلامِ، لِيُسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوِ النَّاسِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا».

قال البغوي في شرح السنة (12/ 364): (وَقيل: مَعْنَاهُ: الرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، وَهُوَ أَلحن بحجته مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقٍّ). اهـ.

الحجة الرابعة: إن هؤلاء يتكلمون عن الفكرة معزولة عن حامليها، ومثل هذا لا يمكن وجوده على أرض الواقع؛ إذ لا يمكن وجود فكرة تجادل عن نفسها!! ؛ فالصفات لا تستقل لوحدها دون ذوات تقوم بها كالكرم والشجاعة ونحوها، ولعل هذه الفكرة مأخوذة من الفلاسفة المثاليين وأكثر الفلاسفة والمتكلمين يتحدثون عن ما يقع في الأذهان بصرف النظر عن وجوده في الواقع والأعيان.. فما جنت منهم الأمم إلا القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال.. ولما انصرف بعض الفلاسفة إلى الأمور التجريبية كغاليلو ونيوتن وغيرهما من أنصار الفلسفة التجريبية حصل التطور التقني!!

والمقصود أن الفكرة شيء وحاملها شيء آخر، ولا يلزم من قوة الفكرة قوة حاملها كما لا يخفى.

الحجة الخامسة: إن في قولكم: إن الفكر القوي لا يخشى الفكر الضعيف هو إقرار منكم أن هناك حجج ضعيفة، وما كان ضعيفا فلا نحتاج إليه، أو يقال: الفكر الذي يخالف الإسلام لا يخلوا من خيارين. الخيار الأول: أن يكون قويا.. وهذا لا تقولون به أنتم ولا نحن. والخيار الثاني: أن يكون ضعيفا فلا نحتاج إليه!!

الحجة السادسة: أن يقال لهم: لا يخلو الإسلام من أن يكون حق أم باطل، فإن قلتم هو باطل ونحتاج إلى الأفكار الأخرى فهذا كفر باتفاق المسلمين قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} ولكم حديث آخر غير هذا، وإن قلتم: هو حق- وهو الظن بكم- فعليه لا نحتاج إلى أفكار تتعارض معه؛ لأن ما يتعارض مع الحق باطل، والجمع بينهما في غاية الامتناع؛ لأنه من الجمع بين النقيضين {وماذا بعد الحق إلا الضلال}.

الحجة السابعة: إن قصر الفكر على القول دون الفعل باطل؛ يوضح ذلك أن الفكر شيء ذهني مادته قول أو فعل وقبل ظهوره فيهما يُعدُّ غير موجود في أرض الواقع، وإنما وجوده وجودا ذهنيا لا يعلمه أحد غير صاحبه إلا بانعكاسه في الأقوال والأفعال، فجعل الفكر مخصوصا بالأقوال دون الأفعال تحكم محض!!.

الحجة الثامنة: إن فكرة المنع تعد فكرة من الأفكار؛ فلا يخلو حالكم معها من خيارين: الخيار الأول: قبولها.. فيلزمكم احترام قرارات من ينادي بها. والخيار الثاني: رفضها ومنعها.. فها أنتم وقعتم فيما تفرون منه!!

الحجة التاسعة: إن فكرة المنع وفكرة عدم المنع فكرتان متناقضتان لا يمكن الجمع بينهما، وفي الواقع ستفرض على المجتمع أحد الفكرتين إما المنع أو عدمها، فما المعيار في اختيار أحدهما دون الأخرى؟؟ هل العبرة برأي الشريعة؟؟ أم العبرة برأي الأغلبية؟؟ أم العبرة بالهوى بصرف النظر عن أي اعتبار.. فلا أظن أن العبرة بالشريعة الإسلامية عندكم؛ إذ لو كان رأيها معتبرا عندكم لمنعتم كتب الإلحاد وروايات الجنس كما تمنع الشريعة من ذلك.. ولا أظن العبرة عندكم بأخذ رأي الأغلبية؛ إذ أغلب مجتمعنا يرفض مثل هذه الكتب، فلم يبق لكم سوى أن العبرة عندكم بأهوائكم ولهذا طفقتم في إقصاء الحق وأغلب الشعب!!

الحجة العاشرة: إن كثيرا من هؤلاء حينما يتحدثون عن الحدود والتعزيرات في الإسلام يقولون: إن الإقناع والفكر أقوى وأعظم من السلوك!! وحينما يكون الحديث عن الإرهاب وشدة خطرة يقولون: السلوك أقوى وأعظم من الفكر!! فيقال لكم: أيهما أقوى تأثيرا على الناس الفكر أم السلوك؟؟ ، فإن قلتم: السلوك أعظم تأثيرا، فيقال لكم: فلماذا تجيزون علاجه بالفكر وحده مع أنه أضعف منه؛ حيث إنكم قاطبة ترون أن العلاج الفكري يكفي وحده لعلاج السلوك في بعض الأحوال، وإن قلتم: الفكر أقوى تأثيرا على الناس من السلوك.. قيل لكم: فلماذا جوزتم لعلاج السلوك- وهو أضعف عندكم- دواءين اثنين- الفكر والسلوك- ، ولم تجيزوا لعلاج الفكر- وهو أقوى عندكم- سوى دواء واحد وهو العلاج الفكري؟؟ وكان أقرب إلى العدل أن تعكسوا الأمر، فتعالجوا الأقوى بدواءين، وتعالجوا الأضعف بدواء واحد. وإن قلتم: إن الفكر أحيانا يكون أعظم تأثيرا على الناس والفكر أحيانا يكون أعظم تأثيرا، قيل لكم: هذا إقرار منكم أنه يمكن لبعض العلاجات السلوكية أن تعالج بعض الأدواء الفكرية!!

الحجة الحادية عشرة: إن قول الدكتور مجدي سعيد: (أن الإنسان إذا ما حبس في بيئة شديدة التعقيم فإنه قد يهلك إذا ما حدث وأطلق سراحه وتعرض لأقل قدر من الميكروبات العادية، أما إذا تدرب جهازه المناعي على التعامل مع البيئة المحيطة بشكل طبيعي، بما تحويه من ملوثات وميكروبات، وتفاعل معها بما وهبه الله في جهازه المناعي من إمكانات الدفاع فإنه يصبح شيئا فشيئا قادرا على مواجهة الأخطار) وهذا كلام صحيح لكن المشكلة أنه عمم الكلام في كل مرض ومع أي أحد، ولم يتنبه الدكتور أن ثمة شيء معمول به في كل مستشفيات العالم التي تعنى بمعالجة الأمراض المعدية وهو ما يسمى بالعزل الطبي؛ حيث يوضع المريض شديد العدوى في غرف سالبة الضغط، كما أن هناك عزل آخر لضعيفي المناعة؛ حيث يوضعون في غرف موجبة الضغط، وليس معنى هذا أننا لا نؤمن بأهمية توفير الأجواء المناعية من الأفكار التي يشق التحرز منها كما نؤمن بأهمية توفير الأجواء المناعية من الأمراض التي يشق التحرز منها سواء.

الحجة الثانية عشرة: إن تصور لوازم هذه المقولات ومآلاتها كاف في دحضها وبطلانها؛ إذ يلزم من ذلك فتح الصحف والمواقع والمنتديات والقنوات الفضائية على مصراعيها للسحرة والمشعوذين والدجالين والسماح للفلاسفة والملحدين والإرهابيين بنشر أفكارهم في كل بيت!!

الحجة الثالثة عشرة: إن علاقة الفكر بالسلوك والعكس لا تخلوا من ثلاث خيارات: إما أن يؤثر أحدهما في الآخر دون العكس أو لا يؤثران في بعضهما أو يؤثران في بعضهما، فالأول: تحكم محض من غير برهان. والثاني: لا يقولون به، فلم يبق سوى الخيار الثالث وهو أن كلا من الفكر والسلوك يؤثران في بعضهما البعض.

الحجة الرابعة عشرة: إن التاريخ يشهد بانتشار أفكار في غاية البطلان لكن لأن حامليها يمتلكون الحجة والبيان أو القوة والسنان استطاعوا قلب الحقائق وطمس البصائر عن رؤية الحق المبين؛ ألا ترى إلى القياس الأرسطي وسرعة انتشاره في أوساط الفلاسفة والمتكلمين كانتشار النار في الهشيم حتى قيض الله لهذه النار التي تطاير شررها إلى كثير من علماء المسلمين وعوامهم فارس المنقول والمعقول العلامة ابن تيمية- نور الله ضريحه- فنقض الغزل الأرسطي من بعد قوة أنكاثا، فانهار بنيانهم بعد ذلك في أوربا كلها في القرن الخامس عشر الميلادي!!

الحجة الخامسة عشرة: إن صدور الأفكار من الناس إما عن اقتناع، وإما عن مكابرة، ومعلوم أن المكابرة في بني آدم كثيرة، ومعالجة المكابر بالإقناع تحصيل حاصل وعبث محض؛ لأنه في حقيقة الأمر مقتنع، وإنما يحتاج إلى شيء يردعه عن مكابرته وهرطقته بالعلاج السلوكي.

الحجة السادسة عشرة: إن الواقع يشهد أن الليبراليين السعوديين على وجه الخصوص من أبعد الناس عن العدل والإنصاف وأكثرهم تطرفا في مصادرة الآراء التي لا تتفق مع منهجهم القمعي، وما رميهم للشرعيين بالإقصاء والمنع ومصادرة الآراء إلا على حد المثل السيار: رمتني بدائها وانسلت!! ، فيا ترى من يمنع الأقلام الشرعية الحرة من الكتابة في الصحف الورقية مع أنهم يقدرون بتسعة أعشار المجتمع!! ومن الذي شن هجوما سافرا سافلا على أحد أعضاء هيئة كبار العلماء- الشيخ سعد الشثري- ؛ لأنه أبدى رأيا شرعيا في غاية الأدب لولاة الأمور مخالفا لأهواء هؤلاء الكتاب؟؟ ومن الذي حاول عبثا تكميم صوت معالي الشيخ صالح الفوزان من إبداء رأيه الشرعي بأن هذا مخالف لمنهج السلف في الإنكار؟؟ وأين صوت العلماء والدعاة والمفكرين المخالفين لأهوائهم في الندوات والمحاضرات والتوقيع على الكتب في معرض الكتاب؟؟ وغير ذلك من الصور المظلمة في مصادرتهم لكل رأي يخالف منهجهم الليبرالي!! وأما التنويريون فأقرب إلى المنهج الشرعي من أولئك، وفيهم من العدل والإنصاف والديانة ما ليس عند أولئك في الجملة غير أنهم مأخوذون بسحر الشعارات البراقة الغربية من التسامح والحرية والمساواة والتعددية والانفتاح والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي أُخِذوا بها فأَخَذُوها بِعُجَرِها وبُجَرِها دون تمحيص لها.. ومع ذلك فإن أكثرهم يسكت عن جور الليبراليين وكذبهم وإقصائهم وتطاولهم على الشريعة وعلمائها، وكثير من شعاراتهم تلك تزول عند أول اختبار حقيقي لها، إذ أكثر مخانيث الليبرالية لا يرون بأسا بمنع كتب الإرهابيين ومقالاتهم ولقاءاتهم الفكرية.. فلماذا رضيتم بأن يكون المنع للفكر الإرهابي أحد العلاجات الناجعة له؟؟ ولماذا لم تقتصروا على الجوانب الإقناعية فحسب؟؟ ولماذا الدول دون استثناء تمارس القمع لكل فكر يمت إلى الإرهاب بصلة؟؟ أين هي حريات الرأي، وأين الشعارات البراقة، وأن الفكر لا يعالج إلا بالفكر ولا يعالج بالسلوك البتة!! وكثير منهم لم ينبس ببنت شفه على جرائم أمريكا وأوربا في بلدان المسلمين، أم أن ما تقوم به أمريكا في العراق وأفغانستان والصومال وما تقوم به إيران في العراق وسوريا واليمن والقطيف، وما يقوم به اليهود في فلسطين وغير فلسطين لون من ألوان الفكر لا السلوك!!!

الحجة السابعة عشرة: إن أمريكا وكثير من دول العالم عقدت مؤتمرات لسن القوانين التي تجرِّم استخدام تقنية الاتصال في بث الفكر الإرهابي بمباركة من أطياف المجتمع المختلفة، وها هو مؤتمر «تقنية المعلومات والأمن الوطني» نظمته الاستخبارات السعودية في الرياض دعت إلى ذلك أيضا ولم نحس منكم من أحد ولم نسمع لكم ركزا!!

وخلاصة الأمر: إن الحق بمنزلة السيف اليماني، فإن كان في كف شجاع مغوار لم يهزمه أحد، وإن كان في كف جبان أو ضعيف فلن يغني عنه سيفه شيئا أمام خشبة تكاد تكون سيفا مصلتا في كف بطل مغوار.

الكاتب: عبدالعزيز بن سعود التميمي.

المصدر: موقع المسلم.